Englishبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في موضوع الفقه إلى نواقض الوضوء ، ونواقض الوضوء لا نحتاج إلى أن نقف عندها كثيراً ، بل نكتفي بأن نقرأها ، ونشرح بعضها .
أولاً : خروج شيء من أحد السبيلين .
ثانياً : ينقض الوضوء ولادة من غير رؤية دم .
ثالثاً : نجاسة سائلة من غيرهما ، أيْ من غير السبيلين ، والنجاسة السائلة دم أو قيح .
رابعاً : قيء طعام ملء الفم ، فالقيء إذا ملأ الفم ينقض الوضوء .
خامساً : دم غلب على الريق أو ساواه ، فإذا خرج من الفم دمٌ غلبَ على الريق ، فهذا ينقض الوضوء .
سادساً : النوم ، وليس النوم ذاته ينقض الوضوء ، ولكن النوم يضعف سيطرة الإنسان على أعضائه ، فالنوم ينقض الوضوء لغيره ، لا لذاته .
سابعاً : إغماء ، وجنون ، وسَكر ، وقهقهة بالغ يقظان في صلاة ذات ركوع وسجود ، والعلماء قالوا : القهقهة وحدها لا تنقض الوضوء ، ولكن الإنسان يتوضأ إذا تقهقه في الصلاة تأديباً له على استخفافه بهذه العبادة العظيمة .
وعشرة أشياء لا تنقض الوضوء :
1ـ ظهور دم لم يسل عن محله ، فلو فَرَضْنا إنسانًا ثقبت يده بدبوس صغير ، فخرجت نقطة دم لم تسل من محلها فهذا الدم لا ينقض الوضوء .
2ـ وسقوط لحم من غير سيلان دم ، فقد تكون بثورٌ في الجلد ، فإذا نزعت هذه البثور لم ينتقض الوضوء .
3ـ ومن مس امرأة ، على المذهب الحنفي يعني امرأة : زوجته ، فإذا مس امرأة أجنبية فإن إسلامه ينتقض ، فمسُّ الرجل امرأته لا ينقض الوضوء ، في المذهب الحنفي ، والإمام الشافعي يقول : مس امرأة ينقض الوضوء ، والتوفيق بينهما ، أن الإنسان إذا مس يد امرأته وشعر بشيء فعليه أن يتوضأ ، وإذا لم يشعر بشيء فلا عليه إذا لم يتوضأ .
إذاً : التقليد في المذاهب وارد ، والتلفيق مرفوض ، التلفيق تصَيُّد الرخص في المذاهب ، والتقليد أن تقلِّد المذهب في العلّة التي شرع هذا الحكم من أجلها ، لذلك بعض العلماء قال : اختلاف الأئمة ليس اختلاف حجة وبرهان ، إنما اختلاف بيئة وزمان ، فلو أن الإمام أبا حنيفة رَضِي اللَّه عَنْه وُجِد في زمان الشافعي ، وفي بيئته لانطبقت أحكامُه على أحكام الإمام الشافعي ، فاختلاف الأئمة ليس اختلاف حجة وبرهان إنما اختلاف بيئة وزمان .
وشيء آخر : اختلاف العلماء الفقهاء ، اختلاف رحمة ، فاتفاقهم حجة قاطعة ، واختلافهم رحمة واسعة ، و الاختلاف اختلاف غنى .
جاءني رجل قبل الدرس يستفتيني في موضوع ، والإمام مالك قال: أحقًّا لو أن الإنسان أقسم بالطلاق ثلاث طلقات في مجلس واحد لا تنعقد إلا طلقة واحدة ، نعم ، لأن الثانية والثالثة تأكيد للأولى ، فوقع طلقة واحدة ، فاختلاف المذاهب رحمة واسعة ، جاء عالم آخر قال : إن لم تكن الزوجة طرفاً في الموضوع ، وكان زوجها يكره فراقها ، كما يكره مفارقةَ دينه ، فإن هذه اليمين لا تنعقد ، لا ينوي الطلاق ، ولا يقصد الطلاق إطلاقاً ، أراد أن يردعها ، فإنّ هذا الطلاق هو المعلق ، فهناك طلاق منجز ، وطلاق معلق ، وعلى كلٍ اختلاف الأئمة رحمة واسعة .
4ـ وتمايل نائم ، يسمع ما يقال ، فما دام الذي يغمض عينه ويسمع ما يقال فوضوءه لم ينتقض ، طبعاً في حكم : " ونومُ مصلٍّ ، المصلي ينام ؟ فلو فرضنا إنسانًا متعبًا تعبًا شديدًا ، ، وغفل ثواني وهو في القعود فلا ينتقض وضوؤه ما دام مصلياً ، وسوف نتابع هذه الموضوعات في درس قادم إن شاء الله تعالى .
* * *
كتاب إحياء علوم الدين
وسنقوم فيما يلي بمتابعة فصول مختارة من إحياء علوم الدين للإمام الغزالي رَضِي اللَّه عَنْه ، ولهذا الإمام كلمة في العلم يقول : العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يُعْطِك شيئاً .
تحدثنا في الدرس الماضي عن آفات العلم ، وقد بيَّن الإمام الغزالي أن للعلماء المخلصين؛ وهم علماء الآخرة علامات ، فمن هذه العلامات ألاّ يطلب العالم الدنيا بعلمه ، فإن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها ، وكدورتها ، وخطورتها ، وانصرامها ؛ أيْ زوالها ، وأن يدرك عظم الآخرة ودوامها ، وصفاء نعيمها ، وجلالة ملكها ، ويعلم أنهما متضادتان ، والموضوع دقيق ، وهذه آيات تقول :
( سورة الرحمن : 46 ) .
( سورة البقرة : 201 ) .
( سورة النحل : 97 ) .
( سورة الجاثية : 21 ) .
( سورة السجدة : 18 ) .
( سورة القصص : 61 ) .
من كل هذه الآيات والأحاديث يتضح أن المؤمن سعيد في الدنيا ، فكيف يفسر قول عليه الصلاة والسلام : مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى *.
[ أخرجه أحمد عَن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ]
هذا الحديث قد يحمل على محمل آخر ، هناك في اللغة العربية أسلوبُ استفهامٍ ليس فيه أداة استفهام ، وسيدنا عمر رَضِي اللَّه عَنْه فيما يروي التاريخ حينما رأى امرأة جائعة مع أطفالها، ذهب إلى بيت مال المسلمين ، وقال لخادمه : احمِل على ظهري كيساً ، فقال : أحمله عليك ، أم عنك ، فقال له : احمله علي ، أنت تحمل وزري يوم القيامة ، كلمة "أنت تحمل وزري يوم القيامة " ، هذا كلام بحسب الظاهر تقريبي ، لكن صياغة هذا الكلام ، والسياق العام يؤكد أنه استفهامي ، وكذلك سيدنا موسى حينما التقى بفرعون :
( سورة الشعراء : 20 ) .
لا يمكن أن يستقيم السياق على أن تفهم الجملة فهماً تقريرياً ، وهل يُعقل أن يكون النبي ضالاً ؟ " قال فعلتها إذا وأنا من الضالين" يجب أن نفهم هذه الآية فهماً على صيغة الاستفهام ، بعض العلماء قالوا : من أحب دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضر بدنياه ؟ لا " ولمن خاف مقام ربه جنتان " لكن من طلب الدنيا لذاتها ربما كان هذا فيه ضرر لآخرته ، فعلى هذا المحمل نحمل هذا القول الطويل ، يقول الإمام الغزالي : لو يعلم أنهما كالضرتين ، مهما أرضيتَ إحداهما أسخطتَ الأخرى ، وأنهما ككفتي ميزان ، مهما رجحت إحداهما خفت الأخرى، وكأنهما كالمشرق والمغرب ، مهما قربت من أحدهما بعدت عن الآخر ، وأنهما كقدحين أحدهما مملوء والآخر فارغ ؛ فبقدر ما تصب منه في الآخر حتى يمتلئ يفرغ الآخر ؛ فإنه من لا يعرف حقارة الدنيا وكدورتها وامتزاج لذتها بألمها ثم انصرام ما يصفو منها ، فهو فاسد العقل .
في أثناء أدائنا العمرة ، لي قريب قال لي : انظر إلى هذا البناء ، بناء يناهز ثلاثين أو أربعين طابقًا ، ما وقعت عيني على بناء أجمل منه ، قال : هذا البناء توفي صاحبُه قبل افتتاحه بأسبوع ، وقيل : هذا البناء كلف صاحبه عشرات الملايين ، وتوفي عن عمر لا يزيد عن سبع وأربعين سنة ، وكان طويل القامة ، وضع في قبر صغير فلم يتسع القبر له ، فضغطوه ضغطاً حتى جاء رأسه ملتويًا مع رقبته ، والبيت الذي كان يسكنه يزيد ثمنه عن عشرات الملايين ، وهكذا حكمة الله عز وجل ، أن ينزل في قبر يضيق عنه طولاً ، فالإنسان حينما يتيقن من زوال الدنيا يلتفت إلى الآخرة ، فإذا طمع فيها فقد أهلكته وهلك .
من أقوال السلف الصالح : "إن أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي ، أن أحرمه لذيذ مناجاتي "، وأحد العلماء الكبار توفي ، فشاهده بعض تلامذته في المنام ، فقال له : يا سيدي ما فعل الله بك ؟ يبدو أن هذا العالم له شأن كبير ، ومؤلفات خطيرة ، وكتب ، وآراء ، وإنتاج علمي ، وسمعة ، وصيت ، وهو نجم متألق ، فقال له يا بني : طاحت تلك العبارات ، وذهبت تلك الإشارات ، ولم يبق إلا ركيعات ركعناها في جوف الليل .
فليحذر المرءُ أنْ يصيبه غرور ويقع في غشاشة نفسه ، إذا كان لك صلة بالله حقيقية مبنية على استقامة تامة ، وعلى عمل صالح فهنيئاً لك ، وما سوى ذلك فقد يملأ الإنسان الآفاق بسمعته ، وعند الله لا يساوي جناح بعوضة ، طاحت وذهبت تلك الإشارات ، ولم يبق إلا ركيعات ركعناها في جوف الليل ، قِفْ في الصلاة ، وانظُرْ إلى قلبك ، هل لك صلة بالله عز وجل ، أَلك التفاف نحوه ، وهل تدمع هذه العين لآية تقرؤها ، هل لك عمل خالص لوجه الله لا تبتغي به أحداً إلا رضاء الله عز وجل ، إن كنت تخشى على نفسك بعض الشرك الخفي فاكتم عملك ، إذا استيقظت قبل صلاة الفجر ، وصليت قيام الليل ، ولم تحدث بهذه الصلاة أحداً ، هذا مما يؤكد لك بأنك مخلص ، فإن فعلت عملاً ولم تحدث به أحداً ، فهذا مما يؤكد لك بأنك مخلص، فالإخلاص له طريق ، عبادة في جوف الليل والناس نيام ، وعمل صالح لا يبغي به أحدًا من الناس ، وهذا يؤكد إخلاصك لله عز وجل ، وكلما تعاظم شعورك بإخلاصك كلما ازداد إقبالك على الله عز وجل ، وما أقبل عبدٌ بقلبه على الله عز وجل إلا جعل قلوبَ المؤمنين تنساق إليه بالمودة والرحمة ، وكان اللهُ له بكل خير أسرع .
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في موضوع الفقه إلى نواقض الوضوء ، ونواقض الوضوء لا نحتاج إلى أن نقف عندها كثيراً ، بل نكتفي بأن نقرأها ، ونشرح بعضها .
أولاً : خروج شيء من أحد السبيلين .
ثانياً : ينقض الوضوء ولادة من غير رؤية دم .
ثالثاً : نجاسة سائلة من غيرهما ، أيْ من غير السبيلين ، والنجاسة السائلة دم أو قيح .
رابعاً : قيء طعام ملء الفم ، فالقيء إذا ملأ الفم ينقض الوضوء .
خامساً : دم غلب على الريق أو ساواه ، فإذا خرج من الفم دمٌ غلبَ على الريق ، فهذا ينقض الوضوء .
سادساً : النوم ، وليس النوم ذاته ينقض الوضوء ، ولكن النوم يضعف سيطرة الإنسان على أعضائه ، فالنوم ينقض الوضوء لغيره ، لا لذاته .
سابعاً : إغماء ، وجنون ، وسَكر ، وقهقهة بالغ يقظان في صلاة ذات ركوع وسجود ، والعلماء قالوا : القهقهة وحدها لا تنقض الوضوء ، ولكن الإنسان يتوضأ إذا تقهقه في الصلاة تأديباً له على استخفافه بهذه العبادة العظيمة .
وعشرة أشياء لا تنقض الوضوء :
1ـ ظهور دم لم يسل عن محله ، فلو فَرَضْنا إنسانًا ثقبت يده بدبوس صغير ، فخرجت نقطة دم لم تسل من محلها فهذا الدم لا ينقض الوضوء .
2ـ وسقوط لحم من غير سيلان دم ، فقد تكون بثورٌ في الجلد ، فإذا نزعت هذه البثور لم ينتقض الوضوء .
3ـ ومن مس امرأة ، على المذهب الحنفي يعني امرأة : زوجته ، فإذا مس امرأة أجنبية فإن إسلامه ينتقض ، فمسُّ الرجل امرأته لا ينقض الوضوء ، في المذهب الحنفي ، والإمام الشافعي يقول : مس امرأة ينقض الوضوء ، والتوفيق بينهما ، أن الإنسان إذا مس يد امرأته وشعر بشيء فعليه أن يتوضأ ، وإذا لم يشعر بشيء فلا عليه إذا لم يتوضأ .
إذاً : التقليد في المذاهب وارد ، والتلفيق مرفوض ، التلفيق تصَيُّد الرخص في المذاهب ، والتقليد أن تقلِّد المذهب في العلّة التي شرع هذا الحكم من أجلها ، لذلك بعض العلماء قال : اختلاف الأئمة ليس اختلاف حجة وبرهان ، إنما اختلاف بيئة وزمان ، فلو أن الإمام أبا حنيفة رَضِي اللَّه عَنْه وُجِد في زمان الشافعي ، وفي بيئته لانطبقت أحكامُه على أحكام الإمام الشافعي ، فاختلاف الأئمة ليس اختلاف حجة وبرهان إنما اختلاف بيئة وزمان .
وشيء آخر : اختلاف العلماء الفقهاء ، اختلاف رحمة ، فاتفاقهم حجة قاطعة ، واختلافهم رحمة واسعة ، و الاختلاف اختلاف غنى .
جاءني رجل قبل الدرس يستفتيني في موضوع ، والإمام مالك قال: أحقًّا لو أن الإنسان أقسم بالطلاق ثلاث طلقات في مجلس واحد لا تنعقد إلا طلقة واحدة ، نعم ، لأن الثانية والثالثة تأكيد للأولى ، فوقع طلقة واحدة ، فاختلاف المذاهب رحمة واسعة ، جاء عالم آخر قال : إن لم تكن الزوجة طرفاً في الموضوع ، وكان زوجها يكره فراقها ، كما يكره مفارقةَ دينه ، فإن هذه اليمين لا تنعقد ، لا ينوي الطلاق ، ولا يقصد الطلاق إطلاقاً ، أراد أن يردعها ، فإنّ هذا الطلاق هو المعلق ، فهناك طلاق منجز ، وطلاق معلق ، وعلى كلٍ اختلاف الأئمة رحمة واسعة .
4ـ وتمايل نائم ، يسمع ما يقال ، فما دام الذي يغمض عينه ويسمع ما يقال فوضوءه لم ينتقض ، طبعاً في حكم : " ونومُ مصلٍّ ، المصلي ينام ؟ فلو فرضنا إنسانًا متعبًا تعبًا شديدًا ، ، وغفل ثواني وهو في القعود فلا ينتقض وضوؤه ما دام مصلياً ، وسوف نتابع هذه الموضوعات في درس قادم إن شاء الله تعالى .
* * *
كتاب إحياء علوم الدين
وسنقوم فيما يلي بمتابعة فصول مختارة من إحياء علوم الدين للإمام الغزالي رَضِي اللَّه عَنْه ، ولهذا الإمام كلمة في العلم يقول : العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يُعْطِك شيئاً .
تحدثنا في الدرس الماضي عن آفات العلم ، وقد بيَّن الإمام الغزالي أن للعلماء المخلصين؛ وهم علماء الآخرة علامات ، فمن هذه العلامات ألاّ يطلب العالم الدنيا بعلمه ، فإن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها ، وكدورتها ، وخطورتها ، وانصرامها ؛ أيْ زوالها ، وأن يدرك عظم الآخرة ودوامها ، وصفاء نعيمها ، وجلالة ملكها ، ويعلم أنهما متضادتان ، والموضوع دقيق ، وهذه آيات تقول :
( سورة الرحمن : 46 ) .
( سورة البقرة : 201 ) .
( سورة النحل : 97 ) .
( سورة الجاثية : 21 ) .
( سورة السجدة : 18 ) .
( سورة القصص : 61 ) .
من كل هذه الآيات والأحاديث يتضح أن المؤمن سعيد في الدنيا ، فكيف يفسر قول عليه الصلاة والسلام : مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى *.
[ أخرجه أحمد عَن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ]
هذا الحديث قد يحمل على محمل آخر ، هناك في اللغة العربية أسلوبُ استفهامٍ ليس فيه أداة استفهام ، وسيدنا عمر رَضِي اللَّه عَنْه فيما يروي التاريخ حينما رأى امرأة جائعة مع أطفالها، ذهب إلى بيت مال المسلمين ، وقال لخادمه : احمِل على ظهري كيساً ، فقال : أحمله عليك ، أم عنك ، فقال له : احمله علي ، أنت تحمل وزري يوم القيامة ، كلمة "أنت تحمل وزري يوم القيامة " ، هذا كلام بحسب الظاهر تقريبي ، لكن صياغة هذا الكلام ، والسياق العام يؤكد أنه استفهامي ، وكذلك سيدنا موسى حينما التقى بفرعون :
( سورة الشعراء : 20 ) .
لا يمكن أن يستقيم السياق على أن تفهم الجملة فهماً تقريرياً ، وهل يُعقل أن يكون النبي ضالاً ؟ " قال فعلتها إذا وأنا من الضالين" يجب أن نفهم هذه الآية فهماً على صيغة الاستفهام ، بعض العلماء قالوا : من أحب دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضر بدنياه ؟ لا " ولمن خاف مقام ربه جنتان " لكن من طلب الدنيا لذاتها ربما كان هذا فيه ضرر لآخرته ، فعلى هذا المحمل نحمل هذا القول الطويل ، يقول الإمام الغزالي : لو يعلم أنهما كالضرتين ، مهما أرضيتَ إحداهما أسخطتَ الأخرى ، وأنهما ككفتي ميزان ، مهما رجحت إحداهما خفت الأخرى، وكأنهما كالمشرق والمغرب ، مهما قربت من أحدهما بعدت عن الآخر ، وأنهما كقدحين أحدهما مملوء والآخر فارغ ؛ فبقدر ما تصب منه في الآخر حتى يمتلئ يفرغ الآخر ؛ فإنه من لا يعرف حقارة الدنيا وكدورتها وامتزاج لذتها بألمها ثم انصرام ما يصفو منها ، فهو فاسد العقل .
في أثناء أدائنا العمرة ، لي قريب قال لي : انظر إلى هذا البناء ، بناء يناهز ثلاثين أو أربعين طابقًا ، ما وقعت عيني على بناء أجمل منه ، قال : هذا البناء توفي صاحبُه قبل افتتاحه بأسبوع ، وقيل : هذا البناء كلف صاحبه عشرات الملايين ، وتوفي عن عمر لا يزيد عن سبع وأربعين سنة ، وكان طويل القامة ، وضع في قبر صغير فلم يتسع القبر له ، فضغطوه ضغطاً حتى جاء رأسه ملتويًا مع رقبته ، والبيت الذي كان يسكنه يزيد ثمنه عن عشرات الملايين ، وهكذا حكمة الله عز وجل ، أن ينزل في قبر يضيق عنه طولاً ، فالإنسان حينما يتيقن من زوال الدنيا يلتفت إلى الآخرة ، فإذا طمع فيها فقد أهلكته وهلك .
من أقوال السلف الصالح : "إن أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي ، أن أحرمه لذيذ مناجاتي "، وأحد العلماء الكبار توفي ، فشاهده بعض تلامذته في المنام ، فقال له : يا سيدي ما فعل الله بك ؟ يبدو أن هذا العالم له شأن كبير ، ومؤلفات خطيرة ، وكتب ، وآراء ، وإنتاج علمي ، وسمعة ، وصيت ، وهو نجم متألق ، فقال له يا بني : طاحت تلك العبارات ، وذهبت تلك الإشارات ، ولم يبق إلا ركيعات ركعناها في جوف الليل .
فليحذر المرءُ أنْ يصيبه غرور ويقع في غشاشة نفسه ، إذا كان لك صلة بالله حقيقية مبنية على استقامة تامة ، وعلى عمل صالح فهنيئاً لك ، وما سوى ذلك فقد يملأ الإنسان الآفاق بسمعته ، وعند الله لا يساوي جناح بعوضة ، طاحت وذهبت تلك الإشارات ، ولم يبق إلا ركيعات ركعناها في جوف الليل ، قِفْ في الصلاة ، وانظُرْ إلى قلبك ، هل لك صلة بالله عز وجل ، أَلك التفاف نحوه ، وهل تدمع هذه العين لآية تقرؤها ، هل لك عمل خالص لوجه الله لا تبتغي به أحداً إلا رضاء الله عز وجل ، إن كنت تخشى على نفسك بعض الشرك الخفي فاكتم عملك ، إذا استيقظت قبل صلاة الفجر ، وصليت قيام الليل ، ولم تحدث بهذه الصلاة أحداً ، هذا مما يؤكد لك بأنك مخلص ، فإن فعلت عملاً ولم تحدث به أحداً ، فهذا مما يؤكد لك بأنك مخلص، فالإخلاص له طريق ، عبادة في جوف الليل والناس نيام ، وعمل صالح لا يبغي به أحدًا من الناس ، وهذا يؤكد إخلاصك لله عز وجل ، وكلما تعاظم شعورك بإخلاصك كلما ازداد إقبالك على الله عز وجل ، وما أقبل عبدٌ بقلبه على الله عز وجل إلا جعل قلوبَ المؤمنين تنساق إليه بالمودة والرحمة ، وكان اللهُ له بكل خير أسرع .
الجمعة سبتمبر 17, 2010 4:18 am من طرف Admin
» حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه السلام
الجمعة سبتمبر 17, 2010 4:11 am من طرف Admin
» كل عام وانت بخير
الجمعة سبتمبر 17, 2010 4:08 am من طرف Admin
» من فتنةالدجال
الأربعاء مارس 03, 2010 1:42 am من طرف أحمد عبدالله البطيشى
» ثواب من صلى ركعتين بعد الوضوء !!
الأربعاء مارس 03, 2010 1:28 am من طرف أحمد عبدالله البطيشى
» •°• هـل تـريـد بـيـتـاً فـي الـجـنـة ؟ •°•
الجمعة ديسمبر 11, 2009 12:27 am من طرف أحمد عبدالله البطيشى
» صفات يحبها الله
الجمعة ديسمبر 11, 2009 12:25 am من طرف أحمد عبدالله البطيشى
» لماذا الغراب بالذات يعلمنا كيف ندفن موتانا!.. سبحان الله
الجمعة ديسمبر 11, 2009 12:24 am من طرف أحمد عبدالله البطيشى
» فضل العشر الأوائل من ذي الحجة
الجمعة ديسمبر 11, 2009 12:20 am من طرف أحمد عبدالله البطيشى